فصل: قال السمين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} قال: هو العسل فيه الشفاء، وفي القرآن.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن العسل فيه شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، عن ابن مسعود قال: عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن.
وأخرج ابن ماجه وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالشفاءين العسل والقرآن».
وأخرج البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنا أنهي أمتي عن الكي».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه «أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أخي استطلق بطنه، فقال: اسقه عسلًا فسقاه عسلًا، ثم جاء فقال: ما زاده إلا استطلاقًا: قال: اذهب فاسقه عسلًا فسقاه عسلًا، ثم جاء فقال: ما زاده إلا استطلاقًا! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلًا فذهب فسقاه فبرأ».
وأخرج ابن ماجه وابن السني والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء».
وأخرج البيهقي في الشعب، عن عامر بن مالك قال: بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم من وعك كان بي ألتمس منه دواء أو شفاء، فبعث إليّ بعَكَّة من عسل.
وأخرج حميد بن زنجويه، عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان لا يشكو قرحة ولا شيئًا إلا جعل عليه عسلًا حتى الدُّمَّلَ إذا كان به طلاه عسلًا، فقلنا له: تداوي الدُمَّلَّ بالعسل؟ فقال أليس يقول الله: {فيه شفاء للناس}.
وأخرج أحمد والنسائي، عن معاوية بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كان في شيء شفاء ففي شرطة من محجم أو شربة من عسل أو كية بنار تصيب ألمًا، وما أحب أن أكتوى».
وأخرج ابن أبي شيبة، عن حشرم المجمري: أن ملاعب الأسنة عامر بن مالك بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الدواء والشفاء من داء نزل به؟ فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعسل أو بعكة من عسل.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن عبد الله بن عمر وقال: مثل المؤمن كمثل النحلة تأكل طيبا وتضع طيبًا.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن الزهري قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النمل والنحل.
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل بلالٍ كمثل النحلة، غدت تأكل من الحلو والمر، ثم هو حلو كله».
وأخرج الحاكم وصححه، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يحب الفاحش ولا المتفحش وسوء الجوار وقطيعة الرحم، ثم قال: إنما مثل المؤمن كمثل النحلة رتعت فأكلت طيبًا ثم سقطت فلم تؤذ ولم تكسر».
وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد الساعدي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد والضفدع».
وأخرج الخطيب في تاريخه، عن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد».
وأخرج أبو يعلى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«عمر الذباب أربعون يومًا، والذباب كله في النار، إلا النحل».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف من طريق مجاهد، عن عبيد بن عمير أو ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل الذباب في النار إلا النحل» وكان ينهى عن قتلها.
وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الذباب كلها في النار إلا النحل».
وأخرج ابن جرير، عن علي رضي الله عنه في قوله: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} قال: خمس وسبعون سنة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي في قوله: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} الآية. أرذل العمر هو الخوف.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن عكرمة قال: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر، ثم قرأ: {لكي لا يعلم بعد علم شيئًا}.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن طاوس قال: إن العالم لا يخرف.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن عبد الملك بن عمير قال: كان يقال أن أبقى الناس عقولًا قراء القرآن.
وأخرج البخاري وابن مردويه، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو، «أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا وفتنة الممات».
وأخرج ابن مردويه، عن ابن مسعود قال: كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بالله من دعاء لا يسمع ومن قلب لا يخشع ومن علم لا ينفع ومن نفس لا تشبع، اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، ومن الخيانة فإنها بئست البطانة، وأعوذ بك من الكسل والهرم والبخل والجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدجال وعذاب القبر».
وأخرج ابن مردويه، عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يدعو «اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر».
وأخرج ابن مردويه، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المولود حتى يبلغ الحنث ما يعمل من حسنة أثبت لوالده أو لوالديه، وإن عمل سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث وجرى عليه القلم أمر الملكان اللذان معه فحفظاه وسددا، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام، آمنه الله من البلايا الثلاثة: من الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين ضاعف الله حسناته، فإذا بلغ ستين رزقه الله الانابة إليه فيما يحب، فإذا بلغ سبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ تسعين سنة غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفعه في أهل بيته وكان اسمه عنده أسير الله في أرضه، فإذا بلغ إلى أرذل العمر {لكي لا يعلم بعد علم شيئًا} كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير، وإن عمل سيئة لم تكتب عليه». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)}.
قوله تعالى: {أَنِ اتخذي} يجوز أن تكونَ مفسِّرةً، وأن تكون مصدريةً، واستشكل بعضُهُم كونَها مفسرةً. قال: لأنَّ الوَحْيَ هنا ليس فيه معنى القول؛ إذ هو إلهامٌ لا قولَ فيه، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ القولَ لكلِّ شيءٍ بحسَبِه.
والنَّحْلُ: يذكَّر ويؤنَّث على قاعدةِ أسماء الأجناس، والتأنيثُ فيه لغةُ الحجاز، وعليها جاء {أَنِ اتخذي}، وقرأ ابن وثَّاب {النَحَل} فيُحتمل أن يكون لغةً مستقلةً، وأن يكونَ إتباعًا.
و{مِنَ الجبال} {مِنْ} فيه للتبعيض؛ إذ لا يتهيَّأُ لها ذلك في كلِّ جبلٍ ولا شجرٍ، وتقدَّم القول في {يَعْرِشُونَ}، ومَنْ قرأ بالكسر والفتحِ في الأعراف.
{ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا}.
قوله تعالى: {ذُلُلًا} جمع ذَلُول، ويجوز أن تكونَ حالًا مِن السُّبُل، أي: ذَلَّلها اللهُ تعالى، كقوله: {هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولًا} [الملك: 15]، وأن تكونَ حالًا مِنْ فاعلِ {اسْلُكي}، أي: مطيعةً منقادةً، وفي التفسير المعنيان منقولان.
وانتصابُ {سُبُل} يجوز أن يكونَ على الظرفية، أي: فاسْلُكي ما أكلْتِ في سُبُلِ ربِّك، أي في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النَّوْر ونحوه عَسَلًا، وأن يكونَ مفعولًا به، أي: اسْلكي الطرقَ التي أَفْهَمَكِ وعلَّمَكِ في عَمَلِ العسل، و{مِنْ} في {مِن كُلِّ الثمرات} يجوز ان تكونَ تبعيضيةً، وأن تكونَ للابتداء على معنى: أنها تأكُلُ شيئًا ينزل من السماء شِبْهَ التَّرَنْجَبِيْن على وَرَق الشجر وثمارِها، لا أنها تأكلُ نَفْسَ الثمرات، وهو بعيدٌ جداٌ.
قوله: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا} التفاتٌ وإخبارٌ بذلك، ولو جاء على الكلام الأوَّل لقيل: مِنْ بطونِك، والهاء في {فيه} تعودُ على {شَراب}، وهو الظاهرُ، وقيل: تعودُ على القرآن.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)}.
قوله تعالى: {لِكَيْ لاَ} في هذه اللامِ وجهان، أحدهما: أنها لامُ التعليل، وكي بعدها مصدريةٌ ليس إلا، وهي ناصبةٌ بنفسِها للفعلِ بعدَها، وهي ومنصوبُها في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ باللام، واللامُ متعلقةٌ ب {يُرَدُّ}، وقال الحوفيُّ: إنها لامُ كي، وكي للتأكيد وفيه نظرٌ؛ لأنَّ اللامَ للتعليلِ وكي مصدريةٌ لا إشعارَ لها بالتعليل والحالةُ هذه، وأيضًا فعلمُها مختلفٌ.
الثاني: إنها لامُ الصَّيْرورةِ.
قوله: {شيئًا} يجوز فيه التنازع؛ وذلك أنه تقدمه عامِلان: {يَعْلَمَ} و{عِلْمٍ}. فعلى رأيِ البصريين- وهو المختار- يكون منصوبًا ب {عِلْم}، وعلى رأيِ الكوفيين يكون منصوبًا ب {يَعلم}، وهو مردودٌ؛ إذ لو كان كذلك لأَضْمَرَ في الثاني، فكان يُقال: لكيلا يعلمَ بعد عِلْمٍ إياه شيئًا. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في وحي:
الوَحْىُ: ما يقعُ به الإِشارةُ القائمة مقامَ العِبارة من غير عبارَة، فإِنَّ العِبارةَ يجوزُ منها إِلى المعنى المقصود بها، ولذا سُمِيّت عِبارةً، بخلاف الإِشارة التي هي الوحى فإِنها ذاتُ المُشار إليه، والوَحْىُ هو المفهومُ الأَوّل، والإِفهام الأَوّل، ولا تعجب من أَن يكون عين الفهم عين الإِفهام عين المفهوم منه، فإِن لم تحصل لك هذه النكتة فلست بصاحبِ وَحْىٍ، أَلا تَرى أَنَّ الوَحْىَ هو السُّرْعة، ولا سُرْعَة أَسْرَعُ ممّا ذكرنا.
فهذا الضَّرب من الكلام يُسمَّى وَحْيًا، ولما كان بهذه المَثابة وأَنَّه تَجَلٍّ ذاتٌّة، لهذا ورد في الحديث الذي رَواه ابن حبّان في صحيحه وغيره «أَنَّ الله إِذا تَكَلَّم بالوَحْىِ سَمع أَهلُ السّماء صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِلْسِلَة على الصّفاة فيَصْعَقُون، فلا يزالون كذلك حَتَّى يأَتيَهم جبريل، فإِذا جاءهم فُزِّع عن قُلُوبهم فيقولون: يا جبريل ماذا قال رَبُّك فيقولُ: الحَقّ: فيُنادُون الحقَّ وهو العَلّىِ الكبير» وما سَأَلت الملائكة عن هذه الحقيقة وإنما عن السبب من حيث هُوِيَّته.
فالوحى: ما يسرع أَثره من كلام الحق في نفس السّامع، ولا يَعْرف هذا إِلا العارِفُون بالشؤون الإِلهيَّةِ فإِنَّها عَيْنُ الوحى الإِلهىّ في العالَم وهم لا يشعرون.
فافْهَم.
وقد يكون الوَحْىُ إِسراع الروح الإِلهىّ بالإِيمان بما يقع به الإِخبار والمفطور عليه كلُّ شيء ممّا لا كَسْبَ فيه من الوحى أَيضًا، كالمولود يَلْتَقِمُ ثَدْىَ أُمّه، ذلك من أَثر الوحى الإِلهىّ إِليه كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَاكِن لاَّ تُبْصِرُونَ}، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ}.
وقال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} فلولا أَنَّها فَهِمَت من الله وَحْيَه لما صَدَر منها ما صَدَر، ولهذا لا تُتَصورّ معه المخالفةُ إِذا كان الكلامُ وَحْيًا، فإِن سلطانَه أَقوَى من أَن يُقاوَم، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ}، ولذا فَعَلَت ولم تخالِف، والحالة تُؤذن بالهَلاك ولم تُخالِف ولا تَرَدَّدت، ولا حَكَمت عليها البَشَرِيَّة بأَن هذا من أَخطر الأَشياء، فدلَّ على أَنَّ الوحىَ أَقْوَى سلطانًا في نفس المُوحَى إِليه من طبْعه الذي هو عين نَفْسِه، قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} وحَبْلُ الوَرِيد من ذاتهِ.
فإذا زعمت ياوَلِىُّ الله أَوحَى إِليك فانظر نَفْسك في التردُّد والمُخالَفة، فإِن وجدت لذلك أَثر تَدْبِيرٍ أَوْ تَفْضِيلٍ أَو تَفكُّرٍ فلستَ بصاحبِ وَحْىٍ، فإِن حكم عليك وأَعماكَ وأَصَمَّك وحال بَيْنَكَ وبين فِكْرِك وتَدْبِيرك وأَمضى حكمَهُ فيك، فذلك هو الوَحْى، وأَنت عند ذلك صاحب وَحْىٍ، فإِن حكم عليك وأَعماكَ وأَصَمَّك وحال بَيْنَكَ وبين فِكْرِك وتَدْبِيرك وأَمضى حكمَهُ فيك، فذلك هو الوَحْى، وأَنت عند ذلك صاحب وَحْى، وعَلِمْتَ عند ذلك أَنَّ رِفْعَتك وعُلُوَّ مرتبتك أَنْ تَلْحَقَ بمن يقول إِنَّه دونك من حيوانِ أَو نبات أَو جماد، فإِن كلّ شيء مفطورٌ على العِلْم بالله إِلاَّ مجموع الإِنس والجانِّ، فإِنَّه من حيث تَفْصِيلُه مُنطوٍ على العلم بالله كسائر ماسِواهُما من المخلوقات من مَلَكٍ وحيوان ونبات وجَماد، فما من شيء فيه من شَعْرٍ وجِلْدٍ ولَحْم وعَصَبٍ ودَمٍ ورُوح ونَفَسٍ وظُفُرٍ ونابٍ إِلاَّ وهو عالم بالله، حتَّى ينظر ويفكِّر ويرجع إِلى نفسه فيَعْلَم أَنَّ له صانعًا صَنَعه وخالِقًا خَلَقَه، فلو أَسمعه الله نُطْق جِلْدِه أَو يَدهِ أَو لسانِه أَو عَيْنِه لَسَمِعه ناطقًا بمعرفته بربّه، مُسَبِّحًا لجلالهِ، مُقَدِّسا لِجَماله {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} الآية {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ}، {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا}.
فالإِنسان من حيث تَفْصِلُه عالمٌ بالله، ومن حيث جُمْلَتُه جاهِلٌ بالله حتَّى يتعَلَّم، أي يَعْلَم بما في تَفْصِيله، فهو العالم الجاهلُ {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ}.
قال أَبو القاسم الأَصْفهانىّ: الوَحْىُ: الإِشارَةُ السَّرِيعة، ولِتَضَمُّن السُّرْعَة قيل: أَمرٌ وَحِىٌّ، وذلك يكونُ بالكلام على سَبيل الرمْزِ أَو التَعْرِيض.
وقد يكون بصَوْت مُجَرَّد عن التركيب، وبإِشارةٍ ببعضِ الجوارح وبالكِتابة، وقد حُمِلَ على كل ذلك قولُه تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا} فقد قيل: رَمَزَ وقيل: أَشارَ، وقيل: كَتَبَ.
وحُمِل على هذه الوُجوه أَيضًا قوله تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}، وقوله: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ} فذلك بالوَسْواس المشار إِليه بقوله: {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} وبقوله صلَّى الله عليه وسلم: «إِنَّ للشَّيْطان لَمَّةً» الحديث.
ويُقالُ للكلمة الإِلهيّةِ التي تُلْقَى إِلى أَنْبِيائه وأَوْلِيائه وَحْىٌ، وذلك أَضْرُبٌ حَسْبَ ما دلَّ عليه قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} وذلك إِمّا برَسُولٍ مشاهَدٍ تُرَى ذاتُه ويُسْمَعُ كلامُه كتَبْليغ جبريلَ عليه السّلامُ للنبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في صُورةٍ مُعَيَّنة، وإِمّا بسَماع كلامٍ من غير مُعايَنَةٍ كسَماع مُوسَى عليه السّلامَ كلامَ الله تعالى، وإِمّا بإِلقاء في الرُّوْع كما ذَكَرَ صلَّى الله عليه وسلم: «إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوْعِى» وإِمّا بإِلْهامٍ نحو قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}، وإِمَّا بتَسْخِير نحو قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}، وإِمّا بمَنامٍ كما قال صلىَّ الله عليه وسلم: «لم يَبْقَ من النُبُوَّة إِلاَّ المُبشِّرات».
فالإِلهام والتَّسخير والمَنام دلَّ عليه قوله تعالى: {إِلاَّ وَحْيًا}، وسَماعُ الكلام من غير مُعَاينة دلَّ عليه: {مِن وَرَاء حِجَابٍ}، وتَبْليغُ جبريل عليه السّلام في صورة معيّنة دلَّ عليه: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ}، فذلك ذمّ لمن يدَّعِى شيئًا من أَنواع ما ذكرنا من الوَحْى، أي نوعٍ ادَّعاه من غير أَنْ حَصَلَ له.
وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ} فهذا الوَحْىُ هو عامٌّ في جميع أَنواعِه، وذلك أَنَّ معرفةَ وَحْدانيّةِ الله تعالى، ومعرفةَ وُجوب عبادتِه ليست مقصورةً على الوَحْىِ المختصّ بأُولِى العَزْم من الرّسل بل ذلك يُعْرف بالعقل والإِلهام، كما يعرف بالسّمع، فإِذًا القصدُ من الآية تنبيهٌ أَنَّه من المُحالِ أَن يكون رسولٌ لا يَعرِف وَحْدانيّة الله تعالى ووُجوبَ عبادتهِ.
وقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} فذلك وَحْىٌ بوَساطة عيسى عليه السّلام.
وقوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ} فذلك وَحْىٌ إِلى الأُمم بوَساطة الأَنبياء عليهم السّلام.
ومن الوَحْى المختصّ بالنبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}.
وقوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ} فوحْيُه إِلى موسَى بِوسَاطة جبريل، وإِلى هارون بوَساطة مُوسَى عليه السّلام.
وقوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} فذلك وَحْىٌ إِليهم بوسَاطة اللَّوح والقَلَم فيما قيل.
وقولُه: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا} فإِن كان الوَحْىُ إِلى أَهل السماء فقط فُالمُوحَى إِليه مَحْذوفٌ ذِكْره كأَنَّه قال: أَوْحَى إِلى الملائكة، لأَنَّ أَهل السّماء هم الملائكة، ويكون كقوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ}، وإِن كان المُوحَى إِليه هي السَّماوَات فذلك تسخيرٌ عند من يجعل السّماء غير حَىٍّ، ونُطْقٌ عند من يجعله حَيًّا.
وقوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} قريبٌ من الأَوّل.
وقوله: {وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} فحَثٌّ له على التثبتِ في السّماع، وعلى تَرْك الاسِتعْجال في تَلَقِّيه وتَلَقُّنه. اهـ.